دور الزوايا في مقاومة الاحتلال الفرنسي - dziry

اخر الأخبار

اعلان 728X90

الأحد، 15 أبريل 2018

دور الزوايا في مقاومة الاحتلال الفرنسي



  
لعبت الزوايا دورا كبيرا في مقاومة الاستعمار الفرنسي• فكانت تشجع الثورات عليه وتساعدها بجميع الوسائل ومن المشهور أن الزعماء الذين قادوا هذه الثورات كانوا ينتمون إلى الزوايا منهم الأمير عبد القادر وأولاد سيدي الشيخ والشيخ الحداد وسيدي بوعمامة وغيرهم• وظهرت الكثير من الدراسات في هذا المجال الثقافي وهو لا يقل أهمية عن مساهمتها في المقاومة المسلحة• ولذلك اخترنا التعريف بكتاب تناول هذا الجانب بالتفصيل•موضوع هذا الكتاب هو المجابهات الثقافية في الجزائر المستعمرة و خاصة في المدارس والطب والدين•(1) ويشمل فترة خمسين سنة من 1830 إلى .1880 ألفته الأستاذة ''ايفون تورين'' التي كانت تدرس التاريخ في جامعة الجزائر .

وكانت تدرس سابقا في جامعة الرباط وجامعة باريس وقد اهتمت كثيرا بالمغرب العربي في عهد الاحتلال ولها مؤلفات كثيرة• ويمتاز البحث الذي تقدمه باعتماده على وثائق هامة كانت سرية قبل اليوم وأصبحت الآن في متناول الدارسين• يوجد قسم منها بباريس وقسم آخر بمدينة ايكس• غير أن الوثائق كلها من مصادر فرنسية وينبغي أن تقارن بمصادر جزائرية وأجنبية لنختبرها اختبارا علميا موضوعيا• ومهما كان من الأمر فإن هذا الكتاب أتى بمعلومات مفيدة جمعتها الأستاذة ورتبتها بعد جهد كبير وصبر طويل وألقى بحثها أضواء جديدة على وقائع كنا نعرفها وعلى أحداث لا علم لنا بها إلا من جوانب هامشية• وحاولت أن تشرح مواقف كل من المستعمرين والوطنيين ووضعت صراعهم المرير في ظروفهم التاريخية• نعرض هنا باختصار وضعية التعليم والثقافة والطب في بداية الاحتلال وأخيرا المجابهات التي وقعت في هذا المجال•وضعية التعليم والثقافة في بداية الاحتلال:بين الكتاب أن المدارس والمؤسسات الثقافية كانت منتشرة في كافة أنحاء الوطن وأن مستوى التعليم العام في بلادنا لم يختلف عما كان عليه في المدارس الفرنسية• وذلك باعتراف ''دوماس''وردت في البحث أرقام وإشارات مبعثرة هنا وهناك نرتبها حسب المدن والمناطق فيما يلي:*عنابة: المدارس:,39 المساجد:37 الزوايا: - زاوية سيدي بن عبد الرحمن وزاوية سيدي عبد القادر• بعد الاحتلال لم يبق إلا 3 مدارس و15 مسجدا •*قسطنطينة: المدارس:,90 المعاهد: ,7 المساجد:.35 في المنطقة 300 مدرسة وزاوية شطابة• بعد الاحتلال بقيت 30 مدرسة فقط •*تيزي وزو:عدد غير محدد من المدارس والزوايا يتردد عليها تلاميذ وطلبة كثيرون •*العاصمة: المدارس: ,24 في المنطقة: 299 مدرسة و5583 تلميذا •*مليانة: معاهد عليا أغلقت بعد مصادرة الأوقاف •*مازنة: معهد للدراسات الفقهية مشهور يأتيه الطلبة من عدة جهات•*وهران: مدرسة الشريعة •*تلمسان: المدارس:,50 المعاهد ,3 الزوايا: ,30 في المدينة 2000 تلميذ و600 طالب ونظام داخلي في المعاهد•يحتوي التدريس في المرحلة الأولى على الكتابة والقراءة والنحو والحساب والقرآن• وفي المعاهد والمساجد يدرس الأدب والتاريخ والشريعة والتوحيد•والجدير بالذكر أن الدولة قبل 1830 لم تنفق على المؤسسات الثقافية ولم تخصص لها ميزانية وإنما كانت الأوقاف تتولى ذلك، وكان رجال التعليم والثقافة يتمتعون بمكانة ممتازة في المجتمع وتذكر المصادر أن العلاقات بينهم وبين البلاد العربية كانت متواصلة، وكان طلبة الزوايا يذهبون عادة إلى تونس والمغرب الأقصى وإلى المشرق ليستكملوا تعليمهم هناك وبعد التحصيل في المدارس والمعاهد العلمية والعودة إلى الوطن كانوا يشتغلون في الوظائف المختلفة، الأمر الذي لم يتحقق في عهد الاحتلال كما سنبين ذلك•سياسة الاستعمار الثقافية ومحاربة الزوايا:تتلخص أهداف هذه السياسة في القضاء على الثقافة الوطنية ونشر التعليم الفرنسي مكانها، وكان الغرض من هذا التعليم أن يتحول المجتمع الجزائري تحويلا كليا يجعله يخدم مصالح المستعمر ، ولهذا انتهجت السلطة الفرنسية سياسة ''الاندماج'' وارتأت أن التعليم هو أحسن وسيلة لتحقيق تلك السياسة، وأرادت أن تزيل ''الأفكار المتخلفة'' عند الأهالي ومعنى هذا القضاء على ثقافتهم ولغتهم وشخصيتهم الدينية والوطنية، ،هكذا تتمكن الدولة الاستعمارية من السيطرة على الوضع ويتركز نفوذها في البلاد، وفي النهاية يتقبل السكان النظام الجديد، ويرضون به ولاسيما المدن . 

إن الرجل الحر من بين كافة الناس هو الذي يستطيع أن يبقى حرا حتى في الرق''! • وهكذا أصبح التعليم يحاول -عبثا- تبرير الاحتلال والاستبداد•أما المرحلة الثانية فترمي إلى الإستيلاء على التعليم الوطني كله وإنشاء تعليم رسمي ليقوم مكانه ويتحقق للمستعمر تنفيذ سياسته مباشرة، وبرزت هذه السياسة في مصادرة ''الأوقاف'' التي كانت تمول المدارس والمساجد والزوايا وتنفق على المعلمين والطلبة• قد وقع ذلك سنة 1843 وكانت النتيجة الحتمية إغلاق الكثير من المدارس والمعاهد وتفقير رجال التربية والثقافة وتشريدهم وإهمال التعليم العربي، ولم تكتف السلطة الاستعمارية بذلك بل ضايقت المعلمين واضطهدتهم لأنهم كانوا يحرضون على محاربتها• فقررت وزارة الحرب الفرنسية مراجعة المؤهلات العلمية ونظمت ''اختبارات'' جديدة فرضتها على رجال التعليم الوطنيين لتمنع الكثير منهم من التدريس بدعوى أنهم ''مشبوهون''!• وطردت ''الأجانب'' منهم وخاصة المغاربة و التونسيين • وأدى الاضطهاد بالكثير من أهل العلم و الثقافة إلى مغادرة الوطن فتفرقوا على البلاد العربية • أغلقت جل المدارس والمساجد والزوايا أوحولت إلى أغراض أخرى وقد اعترف ''الدوك دو مال'' الوالي العام بذلك في تقرير له قائلا:''قد تركزنا في الجزائر واستولينا على المعاهد وحولناها إلى دكاكين أو ثكنات أو مرابط للخيل، واستحوذنا عى أوقاف المساجد والمعاهد''•وعندما اتضح أن استخدام التعليم الوطني لصالح المستعمر أصبح غير ممكن عولت السلطة على إحداث مدارس خاصة بها وشرعت في بناء ''المدارس العربية-الفرنسية''هادفة إلى تنفيذ سياستها الاستبدادية مستعملة المدرسة والدين وسيلة لذلك وقد وردت هذه الفكرة في تقرير رسمي: ''إن المدارس والدين ستنمو تحت حمايتنا في صالح حكمنا'' • وكان المنتظر من بناء المدارس ''تدعيم السلم'' بفضل التعليم باللغتين العربية والفرنسية غير أن الأولوية كانت للغة الفرنسية كما يظهر ذلك من خلال البرامج التي قررت نشر الفرنسية على نطاق واسع وذلك على حساب العربية التي رأت السلطة أنها ليست صالحة لكسب العيش ونيل الوظائف، الأمر الذي قلل من شأنها في نظر الناس• ووضعت السلطة كتبا مدرسية بالعربية حتى ''توجه'' التعليم العربي توجيها يناسب أغراض المستعمرين وقام بتأليف هذه الكتب عدد من المستشرقين الذين نقلوا أيضا بعض الآثار العربية إلى الفرنسية قصد ''التفاهم والحوار بين الثقافتين'' نذكر منهم ''سولفي'' (Solvet) و ''بروسلار''(Brosslard) و''شربونو'' (Cherbonneau) و''بوسيه'' (Beaussier( >بريسنيه< (Bresenier( واهتمت السلطة بـأبناء ''الأعيان'' من الأهالي ففتحت لهم معهدا خاصا بمدينة باريس ليقوم بتعليمهم وإعدادهم لمهام سياسية، ولكن المقصود من ذلك كان الضغط على ''الأعيان'' لم يثقوا في نية المستعمر، ففشل المشروع وأغلق معهد باريس .

ومن ناحية أخرى حصرت السلطة تعليم الأهالي من نطاق محدود لأنها كانت تخشى انتشار الثقافة وتعميم التعليم الديني وما قد ينجم عن ذلك من نتائج سياسية، فمنعت الجزائريين من الالتحاق بالمعاهد الجامعية وتذكرت أن يوغرطة نشأ في المعاهد الرومانية• فلم ترض السلطة المحتلة أن يتخرج ثوار مثل يوغرطة من معاهدها • واكتفت بـإحداث ثلاث ''مدارس رسمية'' في قسطنطينة والجزائر وتلمسان يتعلم فيها عدد قليل من الطلبة الجزائريين اللغتين العربية والفرنسية ويعدون لبعض الوظائف الأهلية التي يحتاج إليها الإدارة الاستعمارية• ولهذه المدارس الثلاث غرض آخر وهو منافسة الزوايا التي كانت تقاوم السياسة الأجنبية • أما المدارس الابتدائية الفرنسية فكانت تعمل على نشر آراء لا تتفق طبعا مع التقاليد الدينية الوطنية، مثلا في تعليم الأخلاق اعتمد الكتاب المدرسي على الإنجيل!• ومع ذلك كله حاول رجال التعليم في ''المدارس العربية-الفرنسية'' أن يقربوا بين الأطفال! ثم أغلقت بعد فشلها حوالي 1880 وخلفها نظام جديد مبني على التمييز العنصري وفصل تعليم الأهالي عن التعليم الأوربي• الطب ''وسيلة سياسية'' :ومن ناحية أخرى حاول المستعمر أن يستعمل الطب كوسيلة سياسية، إذ تفهم أن ليس له تفوق أخلاقي على الأهالي الذين كانت لهم حضارتهم فأراد أن يثبت تفوقه في المجال العلمي فركز جهوده على نشر الطب مستهدفا كسب الرأي العام والتقرب من السكان وكانت الظروف مناسبة لأن الشعب كان لا يعرف الطب الأجنبي الذي كان يرمي إلى أغراض سياسية واضحة• إلا أنها لم تنجح في ذلك•فلجأت السلطة إلى العنف وفرضت العلاج بالقوة، الأمر الذي جعل صاحبة الكتاب تتساءل في نجاعة تلك الطريقة• أما السكان فحاربوا الطب الاستعماري كما حاربوا التعليم الأجنبي، فوقع صراع بين الأطباء والحكماء الفرنسيين من ناحية وبين الأهالي وقادة المقاومة الوطنية من ناحية أخرى• واتخذ هذا الصراع شكل ''الحرب النفسية'' التي اشتهرت في عصرنا وخاصة أثناء حرب التحرير •المجابهات والمقاومة الوطنية:قد ادعى المستعمر بأنه جاء ''ليمدن'' البلاد وزعم أنه صاحب ''رسالة حضارية''!• ولكن الأهالي لم يغتروا بهذا الستار المزيف وأدركوا أغراض المحتل الذي كان يريد السلطة من أجل استغلال ثروات الوطن وتسخير السكان إلى تحقيق مصالحه• فكانت المجابهات والمقاومة حتمية وطبيعية لأن في رأي الاستعمار ليس الشعب الجزائري إلا شعبا ''همجيا'' لا يستحق السيادة والاحترام ويجب أن ''يحضر''!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق