بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
حجة الوداع هي الحجة الوحيدة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة. وأطلق عليها الصحابة حجة الوداع لما جاء في خطبته من قوله صلى الله عليه وسلم:
فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، والتأكيد على إشهادهم بأنه قد بلغ المهمة التي أوكلت إليه من رب العالمين. فكان إتمامه لبيان الرسالة الإسلامية وانتصار الإسلام وظهوره، مؤذنا بمفارقة الحياة الدنيا, وأنه يودع أمته فيها.
فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، والتأكيد على إشهادهم بأنه قد بلغ المهمة التي أوكلت إليه من رب العالمين. فكان إتمامه لبيان الرسالة الإسلامية وانتصار الإسلام وظهوره، مؤذنا بمفارقة الحياة الدنيا, وأنه يودع أمته فيها.
لقد تكونت الأمة الإسلامية، وتميزت بذاتيتها، وجاء نصر الله والفتح، وتطهر البيت العتيق من مظاهر الشرك والوثنية.
وقد كانت هذه الحَجة تمثل دعامة من دعامات الوحدة الإسلامية. ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص أولا، أن لا يحج إلا بعد أن تخلُص المناسك من كل ما أدخلته الوثنية من الأوهام. فأذٌن في الناس قبل سنة بواسطة صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد أمٌره على حج السنة التاسعة: ألا يحج بعد هذا العام مشرك وأن لا يطوف بالبيت عريان. فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام القادم< السنة العاشرة >كان قد امحى كل ما أدخلته الجاهلية من لوثات الوثنية والشرك والأهواء. و ما كان يمكن أن تظهر إلا الصورة النقية التي يرضى عنها رب العالمين، وتوحد بين المؤمنين في طريقة أداء مناسك الحج، وتبقى على صفائها إلى أبد الآبدين. والتوحد في العبادة من أقوى عوامل التوحد بين الأمة.
ومعلوم أن الحج لتتابع شعائره واختلاف زمان ومكان كل منها، فإنه يقتضي عدمُ اختلاطها أن تبين بالطريقة العملية، وأن يشترك في ذلك السمع والبصر والمحاكاة. وهو ما يفسر حرصه صلى الله عليه وسلم على حضور أكبر عدد ممكن من المؤمنين ليثبت في مداركهم هذه العبادة، ويطمَئِن على تواصل القيام على النحو الذي بينه قولا وعملا، فلا يختلف فيها وضع من لم يحضر عن وضع الذي حضر وشارك فيها، وسعد بصحبة المصطفى.
وحجة الوداع هذه قد خطب فيها صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة ، وتميزت خطبته يوم عرفة وخطبته في منى بأنهما كانتا خلاصة ما عمل حياته النبوية على تركيزه في مفاهيم البشرية من المبادئ الأساسية الضامنة لإسعاد الإنسان في دنياه وأخراه ، وجمع كلمة البشر على الحق والخير .
لقد هرى الخصام والتنازع والحروب قوى البشرية، فتمزقت وتحولت عن مهمتها من الخلافة في الأرض وتعميرها، واستجابت لدواعي الشهوة التي غطت على بريق العقول فانطلقت الأوهام المضللة تقودها في مسيرتها، فضلت. ممعنة في الفرقة والخصام.
جاهد الرسول صلى الله عليه وسلم لينتشل البشرية مما ألفته، ويحرك قواها إلى الخير الذي لا تبلغه إلا إذا اتحدت. فكانت عنايته بالتأكيد على مقومات الوحدة وغرسها في القلوب والعقول والمشاعر، ومحق القضاء على موجبات الفرقة والتنازع. ففي جانب التأكيد على مقومات الوحدة:
أكد صلى الله عليه وسلم 1)على أن هذه الأمة أمة واحدة، وأن الرابطة بينهم هي رابطة الإيمان التي تعلو على كل رابطة2) وأن مرجعهم كلما اختلفت الظروف والأحوال قريب منهم ثابت لا يتغير يسعفهم كلما استرشدوا منه الطريق الموصل والمنجي، وهو كتاب الله المضمون حفظه من رب العزة، لا يلحقه التغيير ولا التبديل ولا يخضع لما تخضع له بقية الكائنات من التأثر بعوامل الزمن.3) وأن ما شرعه الله على لسانه قد بلغه صلى الله عليه وسلم، وأن كل من سمع منه هداية هو مأمور أن يبلغها، وأن بعض المبَلَغين في عصره وبعد عصره قد يكون أوعى ممن سمع، وأقدر على فهم أبعاد كلامه الذي قد يقصر السامع عن إدراكها. وفي جانب عنايته بالقضاء على عوامل التفرق كرر وأكد بضروب من البيان القولي المؤثر 1) على حرمة النفس البشرية، هذه الحرمة التي قد أتى عليها حين من الدهر ذهبت حصانتها، وكان إقدام الفرد ليشفي غليله من خصمه بقتله أمرا مألوفا، والقبيلة تحمي القاتل ولو بلغ الأمر قيام الحرب. فنادى في الجموع الغفيرة أن حرمة النفمن من الضروريات المساوية لما ستقر في إدراكهم من حرمة يوم النحر ومنى والشهر الحرام والبلد الحرام، وأن الأخذ بالثأر قد ذهب إلى غير رجعة وأنه تسلط الفرد على غيره بقتله أمر يجب أن ينتهي من المجتمع البشري.
2) على حرمة الأموال مكتسبات الإنسان من جهده ووقته الذي هو جزء من حياته، وأن استقرار هذه الحرمة يجب أن يكون شأنه كشأن قتل النفس، وإن كان اعتباره أقل قيمة من الحياة بدرجة لا تخرجه عن كونه ضروريا.
3) على حرمة الأعراض فلا تنتهك، فالاعتداء على الأعراض يتبعه قطعا العمل على الانتقام أو الشعور بالضيم والكراهية، أو ذهاب العزة والنخوة. والمرجع الذي انبثقت منه هذه الوصايا حرصه صلى الله عليه وسلم على وحدة هذه الأمة التي شرفها الله بأن تكون الحاملة لخاتمة الرسالات.
صلى الله وسلم عليك يا سيدي يا رسول الله ما أحلى كلامك، وما أبلغ خطابك، وما أحوج البشرية في كل عصر وحين أن تتخذ من هدايتك إماما ينجيها في دنياها ويوم تلقى ربها. يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.
كتبه فقير ربه راجي عفوه وفضله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق